jeudi 4 décembre 2014

وتولوا واستغنى الله

         وتولوا واستغنى الله



"ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد" (سورة التغابن، الآية 6 )

..وتولوا واستغنى الله..

تولوا  فما بقوا على العهد .. ما بقوا على عطائهم وعرفانهم .. فتركوا النور وخرجوا إلى العتمة..

خرجوا ليستلذوا مما استلذ منه الناس ..  فأتبعهم الشيطان فكانوا من الغاوين ..

فتركهم الرحمن الرحيم..

واستغنى  عنهم

فرفع الأنس .. وحل اليأس

 وكان البؤس..

تركهم نهبا للضياع.. حيث تتصارع الأهواء ..

هكذا بترهم فما بقوا موصولين بالنور

لقد اختاروا أن يتولوا.. فلووا رؤوسهم.. وتركوا من حباهم كل شيء..

فكان التهديد:

"واستغنى الله"

استغنى من بيده القدرة على أن يستبدلهم بمن هم خير منهم:

"وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم" (سورة محمد، الآية 38)

فقلاهم .. فوقفوا لوحدهم يواجهون أمواج بحار الظلمة الحالكة..

يبحثون عن ذواتهم الضائعة..

وأنفسهم الممزقة ..

سافر أخي في تجاعيد البؤس التي سطرتها معاناة الهجران الإلهي على أوجه من اختاروا النكوص.. سافر مستكشفا المعاناة المادية والمعنوية.. لمن اختار الضيق والحنق ..ويحسب أنه يحسن صنعا.. وستجد الموبقات بأجمعها وقد نسجت حبائلها (الفسق والخمر والدخان والميسر والأنصاب والأزلام والربا و..و..)..

فمتى استغنى الله عن عبد.. تلقفته الوحوش الكاسرة فكان لقمة سائغة..

اللهم استخدمنا ولا تستبدلنا..

اللهم لا تكلنا لأنفسنا طرفة عين فنضل ونشقى..

mardi 24 juin 2014

الصبر لله .. خزانات لا تنفد وخيرات لا تحصى

الصبر لله .. خزانات لا تنفد وخيرات لا تحصى
                               ذ. نورالدين مشاط
 

للصبر حدود.. هكذا يردد البعض عند تزاحم الشدائد وتراكمها.. وعندما تسود الآفاق وتظلم .. ولا تبدو نذر للغيث..

ونتكلم عن خزان الصبر .. ونقول نفذ.. هكذا ولم يبق في الجعبة ما يمكن أن تنفخ فيه ليستمر..

وينفجر الإنسان!

ينفجر فيحرق أو يحترق.. يدمر أو يتدمر..

ويردد آخرون: الصبر مر كالعلقم..

وهو مر لمن لم يربطه بمصدر عزيز من أجله يصبر..

ولذلك نبه الله رسوله أن يربط صبره بربه فيتزود الخزان ولا ينضب أبدا:

" ولربك فاصبر" سورة المدثر

فأنت يا محمد (عليك من الله السلام والتحية والإكرام) .. وأنت يا أخي ستصبر من أجل رب السماوات والأرض الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.. أنت ستصبر لمن جوده غطى الوجود بكامله ولمن رحمته وسعت كل شيء.

فإذا ضاق صدرك بما يقولون.. أو بأثقال المآسي والأحزان فتذكر لمن تتحمل تلك المعاناة .. من أجل كبير متعال.. من أجل من يمدك بالأنفاس .. من أجل مالك الملك..

اصبر من أجل الذي أنشأك من عدم .. ورباك بنعم لا تعد ولا تحصى

اصبر من أجل الذي صبر عليك بلا حدود وحلم على زلاتك فما عجل لك العقوبة

"ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة"(سورة فاطر)

فإذا صبرت .. نلت جائزة الحضوة فكان الله معك "إن الله مع الصابرين" (البقرة) ومن كان الله معه حاشا أن يخيب أو يهزم.. فالبشائر له والنذر لأعدائه..!

ونلت الأجر بغير حساب: "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" (الزمر)

ونلت الخير من مجاميعه: "ولئن صبرتم لهو خير للصابرين" (النحل)

وكان الجزاء غرف الجنة حيث المتع الدائمة: "أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما" (الفرقان).  

وأما في الدنيا فالصبر يكسبك الترفع عن ردود الأفعال حيث لا تحسب العواقب وتتضاعف المخاطر.. "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما" (الفرقان).. قالوا سلاما لأنهم فقهوا جوهر الأشياء فما تكالبوا على حطام الدنيا..

فربطوا صبرهم بالله ولم يربطوه بالناس..فكانت النتائج أن ترفعوا عن أذى الناس..

فإذا صبرت أخي لوجه فلان أو علان تدرج الصبر بدرجة محبتك لذلك الإنسان وكان محدودا بحدود فعل ذلك الإنسان مكانا وزمانا. وكان الصبر ظاهرا والتذمر باطنا.. وأما إن صبرت لمن يعلم السر وأخفى وعطاؤه أوفى فالصبر سيتجاوز الحدود ليرتقي من رضا بالحال إلى شكر على كل الأحوال..

فيكون صبرا جميلا: "فاصبر صبرا جميلا" (المعارج)

والصبر أنواع ومواقف يمكن التوسع فيها بتتبع هذه المقالات المختارة:

ـ http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=119928

vendredi 18 avril 2014

سورة التكاثر وإعلان الحرب على ثقافة الاستهلاك

سورة التكاثر وإعلان الحرب على ثقافة الاستهلاك
                                                                            ذ. نورالدين مشاط 





﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ* كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ* كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ* لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ* ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ* ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ.
"ألهاكم التكاثر".. تكاثر الأموال والأولاد .. تكاثر المقتنيات ومفاخر الحيطان والأثاث.. تكاثر المتعة الزائلة وعشق الاستهلاك الذي تنتهي بالمقبرة الحتمية التي تضع حدا للحياة:
 "حتى زرتم المقابر"
 فتنتهي الحركة ويتبخر الاقتناء ليدرك الإنسان أنه وما ملك لله:
"كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ"
وهي مكررة للتأكيد على أن الإنسان لو خمن وأنعم النظر في مآلات الأشياء وجوهر الملكية والوجود ككل، لعلم جوهر الأشياء وحقيقتها فما اغتر بتجميع ما سيخرب عشقا للمتعة، ولرسم لنفسه في هذه الحياة التي قد تنتهي في أي لحظة وعند أي منعطف أو ظرف مسارا يستكثر فيه من أعمال الخير ويرسم البسمات على الوجوه ليقدم لحياته الحقيقية التي تبدأ مباشرة بعد الانتقال إلى دار البقاء. وهو علم يورث تغييرا جذريا في حياة المرء إذا أصبح يقينا تسنده بصائر الحياة المختلفة وفيوض الرحمات المستشرية في الكون والتي بثها الرحمن آيات مبينات في ما حولنا ومن حولنا وفي أنفسنا والآفاق:
"كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ"
فلو علم المرء علم اليقين مآلات الأشياء لخاف من هول ما ينتظره من جزاء. فنحن قوم عمرنا دنيانا وألهانا التكاثر فيها وغفلنا عن آخرتنا، فحالنا يردد مع ذلك الظالم الذي سيعض على يديه يوم القيامة قائلا: " يا ليتني قدمت لحياتي" (سورة الفجر) .. الحياة الأخرى.. لكن هيهات.. هيهات. فيوم تتطاير الصحف وتعرض السجلات التي لا تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها ويوضع الميزان الدقيق .. أنذاك تتراءى الجحيم بحسيسها وظلماتها ولهيب نيرانها كمآل نسأل الله أن تتداركنا رحمته منها: "ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ".. حيث يصبح العلم بهذا المآل مشهودا معيشا..
لو سرى اليقين في الآخرة في أنفسنا لانقلبت أحوالنا ولعشنا فوق الأرض نحرثها وأعناقنا مشرئبة إلى الآخرة ترجو لقاء الله وتخاف عذابه. لو سرى اليقين فينا لكان الفلاح بأبعاده كلها فأدركنا سعادة الدارين:
"..وبالآخرة هم يوقنون. أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون" (سورة البقرة)
ويختتم السورة بوعيد ليلتقي مع مطلعها حيث التكاثر.. يختتم بتهديد واضح وخطير يقرر فيه أن كل نعيم نتنعمه في الدنيا فسيكون محط تمحيص وسؤال دقيق:
"ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ"
فماذا أعددنا كجواب للسؤال؟ ماذا أعددنا وعشق اقتناء الأشياء الزائدة عن الحاجة أصبح مرضا مستشريا فينا؟ فلو أننا كأمة تمثلنا هذه السورة لاكتفينا بالضروريات وما عانى بيننا أناس وذاقوا الويلات. إنها سورة تكسر ثقافة الاستهلاك والاستكثار من فضول الأشياء .. لتبني على أنقاضها ثقافة التعاطي المسؤول مع الأشياء على أساس الحاجة..