mercredi 4 février 2015

وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو

وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو



الغيب بحار من ظلمات بلا حدود
تمتد طولا وعرضا وعمقا.. تمتد عبر الزمن بمختلف أطواره..
موغلة في ما قبل الحياة وما بعد الممات
ومتجذرة وراء المنحنيات المظلمة من الأنفس والأكوان
يتجاوز المحسوسات والمدركات متحديا ضعف هذا الكيان..
ويتمدد الغيب ثقوبا تتفتق من كل جانب.. فإذا الغيب غيوبا..
بيد من يا صاح؟ بيد "علام الغيوب" (سورة سبأ).
بيد من "يعلم السر في السماوات والأرض" (سورة الفرقان)
ف "لا يطلع على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول" (سورة الجن)
فمن كشف لإبراهيم عليه أزكى الصلاة والتسليم غيب ملكوت السماوات والأرض؟
"وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين" (سورة الأنعام)
ومن يسر الفهم لسليمان في قضية استعصت على أبيه داود عليهما السلام
"ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما" (سورة الأنبياء)
فغاص الإدراك برحمة من الله في ظلمات غيب الفهم لتستحيل المعضلة بعد الظلام نورا
ومن علم يوسف عليه السلام تأويل الحديث.. فصار غيب المستقبل الملفوف في رؤى الأحلام مكشوفا
"رب قد آتيتني من العلم وعلمتني من تأويل الأحاديث، فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين " (سورة يوسف)
فصارت البقرات السمان والعجاف والسنابل الخضر واليابسات بعد أضغاث أحلام
تحذيرا من سنين عطاء وجذب متواليات..
وكذلك قال نور السماوات والأرض.. مالك الملك .. علام الغيوب
"سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق" (سورة فصلت)
"إنه كان وعده ماتيا" (سورة مريم"
فيفتح صفحات الكشوف تباعا.. ويدير المفاتيح فنسمع صرير أبواب الغيب من وراء الحجب
لنرى خيوط النور خيطا خيطا..
ممتدا في الآفاق والأعماق
من أكبر شيء إلى أصغر شيء
من الكون إلى ما هو أصغر من الذرة..
فإذا الحق واضحا جليا..
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
أفق يا صاح..
ها هو الغيب ممتد من حولك .. يطوقك من كل مكان
غيب الأرزاق والأقدار.. فرزقك وحتفك كامنان وراء الظلام الممتد
ففي كل خلية من خلاياك .. في أحشائك التي بين جنبيك أو أي جزء من كيانك
قد تكمن المفاجأة.. فإذا بعد الصحة ترهل وأنات.. وبعد عين خبرا كان.. وبعد حاضر ماض..
فهل بين الحياة والموت جدران.. ؟
أم عبور سريع نعتبره في كثير من الأحيان اختطاف؟
أفق يا صاح..
ولا تحزن لظلام ممتد لا تملك من مفاتحه شيئا إلا ما شاء الفتاح.. الحنان المنان
واطرق بابه طرق متذلل والدموع أنهار
ف "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده.." (سورة فاطر)
ولا تقنط فقد يكون النور على مقربة وأنت غارق في الظلمات
وقد يأت الفرج في برهة وعلى حين غرة وأنت تحسبه على بعد مئات الأميال
أو لا تظنه قادما على الإطلاق
وردد قول الحق في سورة الطلاق:
"لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا"

                                                                                               (ذ. نورالدين مشاط)

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire