vendredi 18 avril 2014

سورة التكاثر وإعلان الحرب على ثقافة الاستهلاك

سورة التكاثر وإعلان الحرب على ثقافة الاستهلاك
                                                                            ذ. نورالدين مشاط 





﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ* كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ* كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ* لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ* ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ* ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ.
"ألهاكم التكاثر".. تكاثر الأموال والأولاد .. تكاثر المقتنيات ومفاخر الحيطان والأثاث.. تكاثر المتعة الزائلة وعشق الاستهلاك الذي تنتهي بالمقبرة الحتمية التي تضع حدا للحياة:
 "حتى زرتم المقابر"
 فتنتهي الحركة ويتبخر الاقتناء ليدرك الإنسان أنه وما ملك لله:
"كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ"
وهي مكررة للتأكيد على أن الإنسان لو خمن وأنعم النظر في مآلات الأشياء وجوهر الملكية والوجود ككل، لعلم جوهر الأشياء وحقيقتها فما اغتر بتجميع ما سيخرب عشقا للمتعة، ولرسم لنفسه في هذه الحياة التي قد تنتهي في أي لحظة وعند أي منعطف أو ظرف مسارا يستكثر فيه من أعمال الخير ويرسم البسمات على الوجوه ليقدم لحياته الحقيقية التي تبدأ مباشرة بعد الانتقال إلى دار البقاء. وهو علم يورث تغييرا جذريا في حياة المرء إذا أصبح يقينا تسنده بصائر الحياة المختلفة وفيوض الرحمات المستشرية في الكون والتي بثها الرحمن آيات مبينات في ما حولنا ومن حولنا وفي أنفسنا والآفاق:
"كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ"
فلو علم المرء علم اليقين مآلات الأشياء لخاف من هول ما ينتظره من جزاء. فنحن قوم عمرنا دنيانا وألهانا التكاثر فيها وغفلنا عن آخرتنا، فحالنا يردد مع ذلك الظالم الذي سيعض على يديه يوم القيامة قائلا: " يا ليتني قدمت لحياتي" (سورة الفجر) .. الحياة الأخرى.. لكن هيهات.. هيهات. فيوم تتطاير الصحف وتعرض السجلات التي لا تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها ويوضع الميزان الدقيق .. أنذاك تتراءى الجحيم بحسيسها وظلماتها ولهيب نيرانها كمآل نسأل الله أن تتداركنا رحمته منها: "ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ".. حيث يصبح العلم بهذا المآل مشهودا معيشا..
لو سرى اليقين في الآخرة في أنفسنا لانقلبت أحوالنا ولعشنا فوق الأرض نحرثها وأعناقنا مشرئبة إلى الآخرة ترجو لقاء الله وتخاف عذابه. لو سرى اليقين فينا لكان الفلاح بأبعاده كلها فأدركنا سعادة الدارين:
"..وبالآخرة هم يوقنون. أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون" (سورة البقرة)
ويختتم السورة بوعيد ليلتقي مع مطلعها حيث التكاثر.. يختتم بتهديد واضح وخطير يقرر فيه أن كل نعيم نتنعمه في الدنيا فسيكون محط تمحيص وسؤال دقيق:
"ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ"
فماذا أعددنا كجواب للسؤال؟ ماذا أعددنا وعشق اقتناء الأشياء الزائدة عن الحاجة أصبح مرضا مستشريا فينا؟ فلو أننا كأمة تمثلنا هذه السورة لاكتفينا بالضروريات وما عانى بيننا أناس وذاقوا الويلات. إنها سورة تكسر ثقافة الاستهلاك والاستكثار من فضول الأشياء .. لتبني على أنقاضها ثقافة التعاطي المسؤول مع الأشياء على أساس الحاجة..